الخميس، 26 أبريل 2012

العنف العالمي على الطبق العربي

"في جلسة ساخنة، ضمت مثقفين ومستنيرين، ومرعوبين بالفطرة صرخ صحافي فرنسي وهو يحمل نسخة من ثماني صفحات في يده قائلا: انظروا إلى ما فعله العنف التلفزيوني في أطفال العالم وأولاده. انظروا إلى الانحرافات التي أوقعهم فيها وجعلهم قتلة سفاحين، إن ولدين في العاشرة والحادية عشرة من العمر خطفا، في ليفربول ببريطانيا طفلا عمره سنتان، وقتلاه وإن ثلاثة أولاد بين التاسعة والعاشرة من العمر متهمون في فيرتي سورين في فرنسا بقتل أحد المتشردين"


وفي العالم العربي يخضع اولادنا ونخضع نحن معهم الى سلسلة متوالية من صور العنف المنظم في برامج التلفاز حيث لا تكاد تمضي ليلة واحدة دون ان نشاهد مشاهد قتل وعنف وتدمير سواء اكان الامر يحدث في الحياة الواقعية عبر المشاهد القادمة من العراق وفلسطين واثيوبيا والسودان ولبنان والارهاب المنتشر في كل بقعة من بقاع العالم، أم عبر الافلام والمسلسلات بل وحتى افلام الكرتون التي يدمنها الصغار والتي لا تخلو من العنف والمؤثرات الصوتية المباغتة المصاحبة لها، وفي احدى الدراسات العلمية العربية اخبرتنا نتائجها ان الطفل العربي عندما يبلغ من العمر 11عاما يكون قد شاهد نحو 20ألف مشهد قتل أو موت واكثر من 80 ألف مشهد اعتداء وحين يبلغ ال 18سنة من عمره يكون قد قضى أمام شاشة التلفاز 22ألف ساعة مقابل 14ألف ساعة يقضيها في المدرسة خلال نفس المرحلة! ويكون قد شاهد حوالي 40الف مشهد للقتل.

وفي دراسة اجراها اتحاد الاذاعة والتلفزيون المصري قال 87% من شباب منحرفين في السجون المصرية بأن السبب في ارتكابهم الجريمة يرجع الى انهم كانوا يقلدون ادوار العنف التي شاهدوها في السينما والتلفزيون وان التلفزيون قد ساعد بشكل اساسي على انحراف هؤلاء الشباب حيث علمهم السرقة والنصب وطرق اخفاء الجرائم.

ولعل احدث اثر للعنف في وسائل الاعلام على الاطفال والشباب ذلك الخبر المرعب عن تقليدهم لعملية اعدام صدام حسين والتي راح ضحيتها عدد من الاطفال على مستوى العالم منهم فتى سعودي..

وكل ما ذكرت هو غيض من فيض دراسات كثيرة وكبيرة كلها تحذر من تأثير بث مشاهد العنف بكل انواعها على مسمع ومرأى عيون اطفالنا وشبابنا الغض ومع ذلك مازلنا في عالمنا العربي وبتمويلنا المادي نفتتح وننشر قنوات لا هدف لها الا تكريس العنف وتقديم الدم كلون مفضل في الامسيات جنبا الى جنب مع قنوات الفساد والافساد الفني.. بدلا من انفاق الاموال على ايجاد الوسائل لتعديل الحالة المزاجية والعقلية والنفسية لدى شباب المستقبل، والتعاون على ايجاد مفهوم وصيغة اعلامية جديدة قوية تتفاعل مع العقل العربي والخلفية الثقافية الحضارية له وتستثمر الطاقة الخلاقة التي اودعها الله في نفوسهم من اجل تفكير اكثر استقامة وفعل اكثر ايجابية وعطاء تحتاج له امتنا من شرقها الى غربها..

ولقد اعجبني كثيرا ما اسفرت عنه قمة التضامن في الرياض من نتائج متعلقة بتفعيل ودعم البحث العلمي في الدول العربية وإعادة النظر في تمويله وزيادة الإنفاق عليه ولذا فانني اهيب بوزراء الإعلام العرب ان يستفيدوا من هذه النتيجة ليكرسوا بعض الجهد العلمي لمحاربة العنف الاعلامي وإيجاد قرارات يكون من شأنها الحد من مشاعد العنف ورفع درجة الحوار الايجابي، بل انني اطمح الى تلفاز عربي خال من العنف وليس هذا بصعب اذا ما اخلصت النية لله واتقى الله القائمون على التمويل من اصحاب القنوات ومبتكري الفضائيات وصانعي البرامج.

من كتاب الإعلام العربي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يسعدني وضع بصمتك هنا