الجمعة، 6 يوليو 2012

مسلموا (بورما) أراكان غرباء في أوطانهم!

 أصدرت السلطة في بورما قرارًا يمنع العاملين والموظفين في الحكومة من إطلاق لحاهم وارتداء الزي الإسلامي في الدوائر الرسمية، وفصل كل من لا يمتثل لهذا الأمر، وقد تم العمل بهذا القرار، وأعفي آلاف المسلمين من وظائفهم لعدم امتثالهم لأمر السلطة بحلق لحاهم وعدم ارتداء الزي الإسلامي..


الروهنجيا شعب مسلم يعيش مأسأة متجددة، آخر فصولها عمره أكثر من نصف قرن، عددهم سبعة ملايين، لكنهم يعيشون غرباء في بلادهم، فبورما التي ضمت إقليمهم المسمى (أراكان) حرمتهم من جنسيتها وأغرقت الإقليم بالمستوطنين البوذيين، وأوكلت إليهم حكمه! فما هي قصة الروهنجا وبلادهم أراكان.


السكان والأرض:
كلمة (روهنجيا) مأخوذة من (روهانج) -اسم أراكان القديم- وتطلق على المسلمين المواطنين الأصليين في أراكان، وهم ينحدرون من الأصول العربية والمور والأتراك والفرس والمنغول والباتان والبنغاليين، ومعظمهم يشبهون أهل القارة الهندية شكلًا ولونًا ولا يزالون متمسكين بالعقيدة الإسلامية رغم الأحداث المريرة والانتهاكات الصارخة التي جرت ضدهم خلال القرون العشرة الماضية.


معظم رجال (الروهنجيا) يعملون في الحقول والزراعة والرعي، وقليل منهم يشتغلون بالتجارة والتعليم والطب والهندسة والمهن الأخرى. وأما نساؤهم فغالبهن مع كونهم ربات البيوت يساعدن أزواجهن في أعمال الزراعة، ويعملن في الحقول البيتية وتربية حيوانات البيوت، أما الوظائف الحكومية فبابها مسدود أمام المسلمين الروهنجيا، والنسبة الضئيلة التي حصلت على الوظائف أجبروا على تغيير أسمائهم الإسلامية، وبسبب التمييز العنصري من قبل السلطة البوذية، انسد باب تقدمهم في مجالات علوم الطب والهندسة والقانون، والذين حصلوا على الشهادات والمؤهلات العلمية نسبتهم قليلة جدًّا.

أما خريجو المدارس الدينية وعلماؤهم فهم الذين يحملون المسؤولية الكبرى لتعليم أبنائهم وأولادهم وتربيتهم، وتوجيه عوامهم نحو تعاليم الإسلام ومفاهيمها الصحيحة، ويلاحظ أن السلطات البوذية تقوم بكل الوسائل المانعة أمام هؤلاء العلماء والمدارس.

ويبلغ عدد المدن في أراكان نحو 17 مدينة، أكبرها العاصمة مدينة أكيان التي تقع في شمال أراكان، على مصب نهر كلادان وهي ميناء رئيسي لأراكان، ولا يوجد في كل أراكان أكثر من 150 ميلًا مرصوفًا صالحًا للنقل والمواصلات في جميع المواسم، ولا توجد خطوط للسكك الحديدية بعد توقف الخط الذي أنشأه الاستعمار البريطاني، وكان يربط مدينة شيتاغونغ في جنوب بنغلاديش ومدينة بوسيدونغ في شمال أراكان، ومن أهم وسائل المواصلات لأراكان مع بورما الطرق البحرية والجوية، وبالإضافة إلى ذلك يوجد ثلاثة مضائق جبلية أيضًا، وهي التي تربط أراكان مع بورما عن طريق البر، ومنها مضيق تنغوب، وهو الوحيد الصالح للمرور بسيارات النقل في جميع المواسم.


كيف دخل الإسلام أراكان؟
يقول الشيخ: دين محمد أبو البشر -رئيس منظمة تضامن الروهنجيا: إن الإسلام دخل في بورما عن طريق أراكان في القرن الأول الهجري، بواسطة التجار العرب وعلى رأسهم الصحابي الجليل وقاص بن مالك رضي الله عنه، ومجموعة من التابعين وأتباعهم، حيث كان العرب يمارسون مهنة التجارة، ولأجلها يسافرون إلى أقاصي البلاد ودانيها، وفي يوم من الأيام انكسرت سفينتهم أثناء سفرهم للتجارة في وسط خليج البنغال على مقربة من ساحل أراكان، فاضطروا إلى اللجوء إلى جزيرة رحمبري بأراكان، وبعد ذلك توطنوا في أراكان وتزوجوا من بنات السكان المحليين.

وحيث إنهم وعوا قوله صلى الله عليه وسلم: «بلغوا عني ولو آية» (صحيح البخاري). وقوله: «فليبلغ الشاهد الغائب» (صحيح البخاري). بدأوا بممارسة الأعمال الدعوية بين السكان المحليين، بالحكمة والموعظة الحسنة، فبدأوا يدخلون في دين الله أفواجا، ثم تردد عليها الدعاة من مختلف مناطق العالم، وازداد عدد المسلمين يومًا فيومًا، إلى أن استطاع المسلمون تأسيس دولة إسلامية في أراكان منذ عام 1430م، بيد سليمان شاه.

واستمرت الحكومة الإسلامية فيها أكثر من ثلاثة قرون ونصف إلى أن هجم عليها البوذيون عام 1784م.
وهكذا انتشر الإسلام في جميع مناطق بورما حتى بلغ عدد المسلمين حاليًّا عشرة ملايين مسلم، من بين مجموع سكانها البالغ خمسين مليون نسمة، أي 20% من إجمالي عدد سكان بورما، أربعة ملايين منهم في أراكان، والبقية منتشرون في جميع المناطق.


أما في أراكان وحدها فتبلغ نسبة المسلمين 70%، منهم حوالي أكثر من مليوني مسلم من الشعب الروهنجيا يعيشون حياة المنفى والهجرة في مختلف دول العالم.

وكانت بورما منذ سيطرتها على أراكان المسلمة عام 1784م تحاول القضاء على المسلمين، ولكنها فقدت سلطاتها بيد الاستعمار البريطاني عام 1824م، وبعد مرور أكثر من مائة سنة تحت سيطرة الاستعمار نالت بورما الحكم الذاتي عام 1938م، وأول أمر قامت به بورما بعد الحكم الذاتي هو قتل وتشريد المسلمين في جميع مناطق بورما حتى في العاصمة رانغون، واضطر أكثر من 500.000 خمسمائة ألف مسلم إلى مغادرة بورما.


وفي عام 1942م قام البوذيون بمساعدة السلطة الداخلية بتنفيذ حملة قتل ودمار شامل على المسلمين في جنوب أراكان، حيث استشهد حوالي مائة ألف مسلم، ومنذ أن حصلت بورما على استقلالها من بريطانيا عام 1948م شرعت في تنفيذ خطتها لبرمنة جميع الشعوب والأقليات التي تعيش في بورما.

وفعلًا نجحت في تطبيق خطتها خلال عدة سنوات، لكنها فشلت تمامًا تجاه المسلمين، إذ لم يوجد أي مسلم بورمي ارتد عن الإسلام أو اعتنق الديانة البوذية أو أي دين آخر، فلما أحست بورما هذه الحقيقة غيرت موقفها وخطتها من برمنة المسلمين إلى (القضاء على المسلمين واقتلاع جذور الإسلام من أرض بروما)، وذلك بقتل ونهب وتشريد ومسخ هوتهم وطمس شعائرهم وتراثهم، وتغيير معالمهم وثقافتهم.

ومنذ أن استولى الجيش على مقاليد الحكم عام 1962م اشتدت المظالم على المسلمين بطريق أوسع من السابق، ففي عام 1978م شردت بورما أكثر من ثلاثمائة ألف مسلم إلى بنغلاديش، وفي عام 1982م ألغت جنسية المسلمين بدعوى أنهم متوطنين في بورما بعد عام 1824م (عام دخول الاستعمار البريطاني إلى بورما) رغم أن الواقع والتاريخ يكذّب ذلك، وفي عام 91-1992م شردت بورما حوالي ثلاثمائة ألف مسلم إلى بنغلاديش مرة أخرى.

وهكذا يستمر نزوح المسلمين إلى بنغلاديش ومنها إلى بلاد أخرى كل يوم؛ لأن الحكومة خلقت جو الهجرة، فالوضع الذي يعيشه مسلمو أراكان مأساوي جدًّا. فهم محرومون من أبسط الحقوق الإنسانية، وهناك مئات الآلاف من الأطفال تمشي في ثياب بالية ووجوه شاحبة، وأقدام حافية، وعيون حائرة لما رأوا من مظالم واعتداءات البوذيين، حيث صرخات الثكالى والأرامل اللائي يبكين بدماء العفة، يخطف رجالهن ويعلقون على جذوع الأشجار بالمسامير، حيث تقطع أنوفهم وأذانهم، ويفعل بهم الأفاعيل، وعشرات المساجد والمدارس تدمر بأيدٍ نجسة مدنسة.


القتل الجماعي:
ويشير الشيخ أبو البشر إلى أن الآونة الأخيرة شهدت تكثيف برامج إبادة الجنس وتحديد النسل فيما بين المسلمين، حيث أصدرت الحكومة قرارات عدة، منها قرار يمنع زواج المرأة المسلمة قبل سن 25 سنة من عمرها، بينما لا يسمح للرجل بالزواج إلا بعد مرور 30 سنة من عمره، ولا يمكن الزواج إلا بعد الحصول على التصريح المكتوب من إدارة قوات الأمن الحدودية (ناساكا) والذي لا يعطي إلا إذا توفرت الشروط، وهي: تقديم الطلب مع الصور الفوتوغرافية لكل من العريس والعروس، ثم إحضارهما إلى قاعدة (ناساكا) للفحص والتأكد من عمرهما، وأنهما مؤهلان للزواج، وعلى الرغم من ذلك فإن (ناساكا) لا تسمح بالزواج إلا بعد تقديم رشوة بمبلغ كبير يرضيها، والذي لا يقدر الجميع على تسديده.

كما أنها لا تسمح في سنة كاملة لأكثر من عشرين أسرة بالزواج في القرية التي تتكون من ألفي أسرة، فإذا خالف أحد هذا القرار المرير فعقوبته تفكيك الزواج والاعتقال لمدة ستة أشهر وغرامة خمسين ألف كيات بورمي.

وبعد الزواج يتحتم على الزوج إحضار زوجته الحامل إلى قاعدة إدارة قوات الأمن الحدودية (ناساكا) كل شهر حتى تضع حملها، وفي كل مرة لا بد من دفع الرسوم بمبلغ كبير، وذلك للتأكد -كما تقول السلطة- على سلامة الجنين، ولتسهيل إحصاء المواليد بعد الولادة، الهدف من ذلك كما يقول الشيخ (أبو البشر): "وهو استفزاز المسلمين، وإقناعهم بأنهم ليس لهم أي حق للعيش في أراكان بأمن وسلام".


وعلى الصعيد السكاني فإن الحكومة ما زالت تقوم بإحداث تغيرات ملموسة في التركيبة السكانية لمناطق المسلمين، فلا توجد أية قرية أو منطقة إلا وأنشأت فيها منازل للمستوطنين البوذيين وجعلت السلطة في القرية في أيديهم، ومنذ عام 1988م قامت الحكومة بإنشاء ما يسمى بـ(القرى النموذجية) في شمال أراكان، حتى يتسنى تشجيع أسر (الريكهاين) البوذيين على الاستقرار في هذه المناطق.

وجلبت هؤلاء البوذيين من أماكن مختلفة حتى من بنغلاديش إلى هذه القرى النموذجية، ومنحتهم أراض وبيوتًا جاهزة شيدت بأيدي المسلمين بدون أجر، وقد أدت مصادرة الأراضي من المسلمين ومنحها إلى الريكهاين البوذيين إلى توتر شديد بين المسلمين.


وفي ظل أجواء من عدم الاستقرار الأمني والديني والاجتماعي للمسلمين في بورما جراء ممارسات البوذية العسكرية التي تطبق إجراءات وخطوات مأساوية، تهدف إلى القضاء على المسلمين وطمس شعائرهم ومسخ ثقافتهم وتراثهم، أقدمت السلطة على إصدار قرار يمس مشاعر المسلمين، وهو حظر تأسيس مساجد جديدة، وعدم إصلاح وترميم المساجد القديمة، وتدمير المساجد التي تم بناؤها أو إصلاحها في خلال عشر سنوات منصرمة في إقليم أراكان، وبموجب هذا القرار فإن السلطة هدمت إلى الآن أكثر من 72 مسجدًا.

وجدير بالذكر أن في بورما أكثر من 2566 مسجدًا، كما يوجد أكثر من 1095 مدرسة وجامعة إسلامية، ومنها في أراكان وحدها 1538 مسجدًا، 405 مدارس وجامعات إسلامية.


وفي بداية شهر فبراير من العام الماضي قام المشاغبون البوذيون في مدينة أكياب بإحراق وتدمير قرى المسلمين، وقتل وتشريد سكانها، فخلفوا خمسمائة قتيل وأكثر من ألفي جريح، وفي شهر مايو من العام نفسه شن البوذيون هجومًا على المسلمين في مدينة تونجو على مقربة من عاصمة رانغون بالتعاون مع السطة العسكرية، مما أدى إلى مقتل عشرات المسلمين وتدمير أربعة مساجد.
 
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يسعدني وضع بصمتك هنا