كتب/
مجيد جعفر
الرئيس التنفيذي لشركة نفط الهلال
ومؤسس خطة الاستقرار العربي
تحول ما يسمى الربيع العربي، بعد مرور عامين عليه، الى شتاء قارس، بعد أن
أخفقت الحكومات في التعامل بفعالية وكفاءءة مع الأسباب الرئيسية لاستمرار
حالة عدم الاستقرار المتمثلة في البطالة المزمنة وندرة الفرص الاقتصادية.
الأمر الذي يخلق حاجة ماسة الى وضع خطة دولية بقيادة عربية للتعامل مباشرة
مع نقص فرص العمل وتعزيز الاستقرار الاقتصادي في أنحاء المنطقة.
تركز خطة الاستقرار العربية، بعد الاستهداء والاستلهام بخطة مارشال التى
تبنتها الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية لاعادة اعمار الاقتصاد
المنهار في أوروبا الغربية وحمايتها من الوقوع في براثن الشيوعية، على خلق
فرص عمل من خلال الاستثمار في البنى التحتية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي
وحماية المنطقة من تصاعد التطرف.
الخطة عبارة عن سياسة يقودها القطاع الخاص وضعها فريق من خبراء الاقتصاد
المختصين بالتنمية وبالتشاور مع الحكومات الاقليمية والمؤسسات الدولية
وقادة الأعمال والشركات من العالم العربي. وتضع خطة الاستقرار العربي تصورا
لخطة اقتصادية متعددة الأطراف تركز على خلق فرص العمل من خلال الاستثمارات
السريعة والمباشرة القائمة على المشاريع التى تحقق عائدات كبيرة
للمستثمرين والبلدان على حد سواء.
ومع الزيادة المتوقعة في التعداد السكاني للبلدان العربية من 355 مليون
نسمة الى 500 مليون نسمة بحلول 2025 وبوجود غالبية من السكان دون سن
الثلاثين، تحتاج البلدان العربية الى توفير 100 مليون فرصة عمل خلال
العقدين المقبلين وحدهما. ومن المفارقات أن المشاكل الاقتصادية التى كانت
سببا في اندلاع الثورات ازدادت سوءا، اذ تتجاوز معدلات البطالة في الوقت
الراهن نسبة %30 في الكثير من البلدان ووصلت الى مستويات خطرة، وتحولت
الآمال الكبيرة الى اليأس والأسى. وأضعفت عمليات الانتقال السياسي التي
اتسمت بالاضطرابات والقلاقل من مناخ الاستثمار لتدخل تلك البلدان في حلقة
مفرغة من الاقتصاد الضعيف واللا استقرار.
ورغم ذلك، انصب التركيز حتى الآن على المشاحنات حول الدساتير الجديدة
والانتخابات، بينما لم يتم عمل الكثير على صعيد السياسة الاقتصادية الذي
اقتصر على تحقيق الاستقرار في المالية العامة من خلال القروض الخارجية.
وعادة ما تصرف هذه القروض على الرواتب والدعم الحكومي، ولا ينتج عنها سوى
القليل من الاستثمارات وفرص العمل الجديدة.
ويعوق السياسات المحلية والماليات العامة العجز المتنامي وتضاؤل
الاحتياطيات، بينما تبدو احتمالات أن يلعب القطاع الخاص دورا وحيدا لانعاش
النمو الاقتصادي ضعيفة. ومن أجل ضمان عملية انتقال أكثر أمانا ومنع حصول
مزيد من الاضطرابات وعدم الاستقرار، وبالتالي امكانية زيادة التطرف، هناك
حاجة ماسة اليوم للتدخل الاستثماري على المدى المتوسط.
ويقدر البنك الدولي أن المنطقة بحاجة أصلا الى 100 مليار دولار من
الاستثمارات في البنى التحتية سنويا، في قطاعات مثل النقل والمواصلات
والاتصالات والطاقة. ولا يشكـــل الانفــاق على البنى التحتيــة أكثر من %5
فقط من مجمل الانفاق في المنطقـة (مقارنة مع %15 في الصين)، لكن وبحسب
بيانات البنك الدولي فان كل مليار دولار يتم استثمارها يمكن أن تخلق 100
ألف فرصة عمل جديدة، لاسيما في البلدان المستوردة للطاقة، حيث الحاجة فيها
للاستثمارات هي الأكبر. لكن مستويات الاستثمار ضعفت في معظم الدول العربية،
اذ أعلن وزير التخطيط المصري الشهر الماضي أن الاستثمارات الأجنبية
المباشرة في البلاد تدنت الى مستوى «قريب من الصفر».
ومن شأن الاستثمار المباشر للأموال في مشاريع البنى التحتية وتجنب خزائن
الحكومات، أن يلتف على الخلافات السياسية والبيروقراطية وتحقيق تحسن ملموس
وسريع في الاقتصاد في بلدان مثل الأردن واليمن ومصر وفي أنحاء بلدان شمال
أفريقيا.
ومع نمو الدخل الناجم عن الارتفاع المستمر في أسعار النفط فان دول الخليج
التي تفاخر بوجود قطاع خاص حيوي بحاجة الى منافذ استثمارية، في وضع جيد
للعب الدور القيادي كبلدان مستثمرة. ويمكن للدول المستثمرة الأخرى
والمؤسسات المتعددة الأطراف أن تقدم مساعدة استثمارية وفنية اضافية. وسوف
تساعد الخطة على استعادة الثقة في الاقتصاد اضافة الى تحفيز استثمار القطاع
الخاص المحلي في المنطقة.
ومن شأن وجود اطار متعدد الأطراف أن يضمن ادارة الأموال واستثمارها
وحوكمتها عبر آلية شفافة ومنسقة، مبنية وفق أفضل الممارسات العالمية. وسوف
يكون لمجلس حوكمة على مستوى الوزراء كامل الصلاحيات حيال السياسات
والقرارات الاستثمارية، مع وجود لجنة للاستثمار وفريق من الخبراء الفنيين
لادارة صندوق الائتمان وتوفير الدراسات الدقيقة بشأن المشاريع المقترحة
ومراقبة النتائج.
وعلى مستوى الدول، ستكون الفرق الوطنية لتطوير المشاريع مسؤولة عن تحديد
الأولويات الاستثمارية الوطنية مع الحكومات المضيفة لها بما فيها القطاعات
الحيوية من أجل التنمية وتحقيق الأثر الايجابي الأقصى.
وفي حين أن لكل دولة مجموعة أولويات خاصة بها، الا أن دعم النمو الاقتصادي
الاقليمي ومعالجة القضايا الأساسية التي تؤدي الى التطرف أهداف يجب أن
يتقاسمها الجميع. ومن خلال وجود منصة مشتركة للاستثمار الاقليمي، فان الدول
المشاركة ستكون قادرة على الاستفادة منها عبر تعزيز التنمية الاقتصادية
الاقليمية والاستقرار والأمن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يسعدني وضع بصمتك هنا