الجمعة، 13 أبريل 2012

ولئن خَذَلكم وتخلى عنكم الناسُ فإن معكم ربّ الناس،

سلامٌ عليكم يا أيها الغرباء


عشت نصف قرن حافلاً بالثورات فلم أرَ ثورة خَلَتْ من أنصار، فهذه ثورةٌ في الشرق نصرها الغربُ وهذه ثورةٌ في الغرب نصرها الشرق، إلا ثورتَكم يا أهل سوريا، فإنها الثورة الغريبة في الثورات؛ الثورة التي تخلى عنها الشرق والغرب، وخذلها القريب والبعيد، وتنكّر لها العدو والصديق… ثورة الغرباء.

ثورة الغرباء في سوريا تخلّت عنها دول الغرب ودول الشرق، وخذلها قادة العرب وقادة المسلمين، ووقفت ضدّها الهيئاتُ والمنظمات الوطنية والثورية في طول العالم العربي وعرضه، وهي التي زعمت -زوراً- على الدوام أنها تدعم خيارات الشعوب وتدافع عن استقلالها وحريتها، وروّجت تلك الأكاذيب يوماً بعد يوم وعاماً بعد عام.

ثورة الغرباء في سوريا تخلى عنها محور الغرب ودول الغرب وحلفاء الغرب، وتخلى عنها محور الشرق ودول الشرق وحلفاء الشرق، ولم يحصل ذلك مع ثورة قبلها من الثورات. واجتمع على خذلانها ودَعْم عدوّها المجرم إسرائيلُ وأصدقاء إسرائيل وأعداء إسرائيل، وإيرانُ وأصدقاءُ إيران وأعداء إيران، ولم يحصل ذلك مع ثورة قبلها من الثورات.

ثورة الغرباء في سوريا ساوى العالَمُ الظالم فيها بين القاتل والمقتول وبين المجرم والضحية، بل إنه تجاوز المساواة إلى الانحياز الفاجر إلى الطرف المعتدي، فلم يقل للقاتل لِمَ قتلت قَتيلك، بل قال للمقتول لِمَ دافعت قاتلك؟! العالَم الظالم لم يجد غضاضة في مرور السفن أمام عينيه ملأى بالسلاح، مدداً للقاتل وتعويضاً عمّا أفرغه في أجسام خمسين ألف شهيد ومصاب من ذخيرة ورصاص، ولكنه يُغيظه أن تصل إلى أيدي الضحايا بندقيةُ صيد أو صندوقٌ من الذخيرة ومئةُ طلقة من الرصاص!

* * *

أمَا لقد لقيت ثورة الأحرار في سوريا من الخذلان ما لم تلقَه ثورةٌ قبلها لا في الشرق ولا في الغرب، ولا في الماضي ولا في الحاضر، ولو كان اعتمادهم على شرق أو غرب أو عرب أو عجم أو قريب أو بعيد لرفعوا الراية منذ دهر وسجدوا لطاغوت العصر في سوريا، ولكنهم لم يعتمدوا على أحد إلا على الله ولا يسجدون لأحد إلا لله. لقد حسموا الخيار ومضوا في الطريق غيرَ معتمدين إلا على الله القادر القهّار، هتفوا “الله معنا” فهو عنوان ثورتهم وهو الشعار، نِعْمَ العنوان ونعم الشعار لثورة الأبرار الأخيار الأحرار.

لقد اعتمدوا على الله وحده لمّا فقدوا المُعين واستنصروه حين فقدوا النصير، وصبروا صبر الجبال الراسيات وثبتوا ثباتاً عجيباً أذهل الدنيا، ومضوا في ثورتهم لا يضرهم آلافٌ يتساقطون بين أيدهم من الشهداء، ولا عشراتُ آلاف يُتخَطّفون من بينهم من الأسرى والمعتقَلين، ولن يزال أولئك الأبطال ثابتين لا يَهِنون ولا يضعفون -بإذن الله- حتى يأتيهم وعد الله، ولن يخلف الله الميعاد.

يا أيها الغرباء: إن تكن أبواب الأرض أُغلقت في وجوهكم فإن باب السماء مفتوح أبداً، ولئن خَذَلكم وتخلى عنكم الناسُ فإن معكم ربّ الناس، ولسوف يسخّر لكم -بإذنه تعالى- من عباده من يشاء حين يشاء. ألا لقد خاب من اتكل على الناس، ألا لقد أنجح وأفلح من اتكل على الله رب العالمين.

طوبى لكم بمعيّة رب العالمين، وسلامٌ عليكم يا أيها الغرباء.
بقلم / مجاهد مأمون ديرانية



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يسعدني وضع بصمتك هنا