الأحد، 21 أبريل 2013

هل يمكن رؤية الله يوم القيامة (3)

writer image



جاء في قول مأثور: (ليست البلاغة بحدة اللسان، ولا بكثرة الهذيان، وانما باصابة المعنى، وقصد الحجة).
من عادتي ألا أرد على من يمتهن البذاءه والشتائم والارهاب الفكري سبيلا للحوار، الا فيما يوضح بعض التساؤلات بما يستلزم الرد عليها.
هذا الدين الخاتم مشروع حضاري يتفاعل مع الحياة بكل أبعادها، ولم يجعل الله سبحانه وتعالى لهذا الدين وكيلا للذود عنه، ولا لكتابه العزيز حاميا فقال سبحانه وتعالى: {إنا نحْن نزلْنا الذكْر وإنا له لحافظون} ثم جعل حرية الاعتقاد أساسا للعمل فقال جل من قائل: {قلْ كلّ يعْمل على شاكلته فربّكمْ أعْلم بمنْ هو أهْدى سبيلا} الاسراء 84.
تقتضي الأمانة العلمية قبل ان يتهمني هذا البعض بالكذب ان يطالبني بالدليل قبل ان يتخذ من هذه القضية شماعة للردح والقول البذيء. فهذا النهج الذي اتبعه ليس نهج دعاة بل نهج بغاة وطغاة.

مشروعية عرض الحديث على القرآن

يمكن الاحتجاج لمنهج عرض الحديث على القرآن بأدلة منطقية عقلية وشرعية تؤيد صحته بل وتجعله أكثر سلامة في قبول ورد الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسنعرضها على النحو التالي:
وخلاصة الدليل العقلي في هذه المسألة أننا نعلم ان الكتاب والسنة نابعان من مشكاة واحدة ولهما هدف واحد، وعلى هذا الاساس يقضي العقل بعدم اختلافهما واتفاقهما ولو في الاطار العام، اذ لا يعقل ان يصدرا عن الحكيم وهما متناقضان مختلفان.
وبما ان ثبوت القرآن قطعي قد وصل الينا بالتواتر وثبوت أحاديث الآحاد الواردة عن النبي (ص) ظنية يمكن فيها السهو والغلط، فالعقل يحكم بأن نقيم ما ورد عن طريق الظن على ضوء ما قطع بثبوته.

الدليل من القرآن

أخبرنا الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم انه أرسل الى الأمم السابقة رسلا وانزل كتبا لارشادهم الى المنهج الأمثل الذي يعرف الحق من خلاله ويحسم أي اختلاف يطرأ وفق نظامه فقال تعالى {كان النّاس أمّة واحدة فبعث اللّه النّبيّين مبشّرين ومنذرين وأنزل معهم الْكتاب بالْحقّ ليحْكم بيْن النّاس فيما اخْتلفوا فيه} البقرة 213 وانكر على المعرضين عن ذلك المنهج فقال: {ألمْ تر الى الّذين أوتواْ نصيبا مّن الْكتاب يدْعوْن الى كتاب اللّه ليحْكم بيْنهمْ ثمّ يتولّى فريق مّنْهمْ وهم مّعْرضون} ال عمران 23.
وعندما تجاهلت الأمم انحرفت مسيرتها وأخذت تغرق في خصومة وجدل عقيم أدى الى اقدام كل طرف على مصادرة حق الآخر في الانتماء الى الفكر المشترك بينهم، وبنو اسرائيل أوضح مثال على ذلك فقد حكى لنا الله سبحانه وتعالى خلاصة حالهم بقوله: {وقالت الْيهود ليْست النّصارى على شيْء وقالت النّصارى ليْست الْيهود على شيْء وهمْ يتْلون الْكتاب كذلك قال الّذين لا يعْلمون مثْل قوْلهمْ فاللّه يحْكم بيْنهمْ يوْم الْقيامة فيما كانوا فيه يخْتلفون} البقرة 113.
فأخبر أنهم كانوا (يتلون الكتاب) لينبه بذلك على أنه كان بامكانهم الخروج عن الخلاف بالعودة الى كتاب ربهم الذي هو محل احترامهم جميعا، ولكنهم بتجاهلهم صاروا مثلا للذين لا يعلمون فقالوا مثل قولهم.
وعلى هذا النسق اكد الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة من خلال القرآن الكريم ان الرجوع الى كتابه عند الاختلاف، هو منهج مضمون، وطريق مأمون، فهو مصدر الهداية التي يمكنها الاعتماد عليه، قال تعالى: {وما اخْتلفْتمْ فيه منْ شيْء فحكْمه الى اللّه ذلكم اللّه ربّي عليْه توكّلْت واليْه أنيب} الشورى 10 وقوله {ان هذا القرْآن يهْدي للّتي هي أقْوم} 10 الاسراء وعندما سئلت أم المؤمنين عائشة عن الرؤيا في رحلة المعراج استشهدت بقوله تعالى: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} وقوله تعالى: {وما كان لبشر ان يكلّمه اللّه الّا وحْيا أوْ منْ وراء حجاب}. الشورى 51. وهذا يعني أنها تحدثت بما يتفق وما جاء في كتاب الله العزيز.

وهذه جملة من الروايات التي تربط الأحاديث بكتاب الله العزيز.
-1 رواه ابن عساكر بسنده عن عاصم عن ذر عن علي قال: قال رسول الله (ص) ستكون على رواة يروون الحديث فاعرضوا القرآن فان وافقت القرآن فخذوها والا فدعوها. (المصدر تاريخ ابن عساكر 77/55).
-2 الحديث الثاني عن أبي هريرة رواه الخطيب البغدادي في الكفاية عن أبي هريرة عن النبي (ص) أنه قال: سيأتيكم عني أحاديث مختلفة، فما جاءكم موافقا لكتاب الله وسنتي فهو مني (المصدر الكفاية في علم الرواية 130/1).
-3 الحديث الثالث عن عبدالله بن جعفر روى الروياني في مسنده عن طريق زيد بن ابي أنيسه عن عبدالله بن المسور عن عبدالله بن جعفربن أبي طالب الهاشمي قال: قال رسول الله (ص): (اني سألت قوما من اليهود عن موسى فحدثوني حتى كذبوا عليه، وسألت قوما من النصارى عن عيسى فحدثوني حتى كذبوا عليه، وانه سيكثر على من بعدي كما كثر على من قبلي من الأنبياء، فما حدثتم عني بحديث فاعتبروه بكتاب الله فما وافق كتاب الله فهو من حديثي، وانما هدى الله نبيه بكتابه، وما لم يوافق كتاب الله فليس من حديثي (مسند الروياني 255/2).
-4 الحديث الرابع عن عبدالله بن عمر رواه الطبراني بسنده عن علي بن سعيد الرازي عن الزبير بن محمد بن الزبير الرهاوي عن قتادة بن الفضيل عن أبي حاضر عن الوضين عن سالم عن أبيه عبدالله بن عمر عن النبي (ص) قال: (سئلت اليهود عن موسى فاكثروا وزادوا ونقصوا حتى كفروا، وسئلت النصارى عن عيسى فأكثروا فيه وزادوا ونقصوا حتى كفروا، وانه سيفشو عني أحاديث فما أتاكم من حديثي فاقرأوا كتاب الله واعتبروه، فما وافق كتاب الله فأنا قلته ومالم يوافق كتاب الله فلم أقله (المصدر الطبراني 316/2 رقم 13224).
-5 الحديث الخامس عن ثوبان رواه الطبراني بسنده عن أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة عن اسحاق بن ابراهيم أبو النضر عن يزيد بن ربيعة عن أبي الأشعث عن ثوبان ان رسول الله (ص) قال: (ألا ان رحى الاسلام دائرة) قال: فكيف نصنع يارسول الله؟ قال: (اعرضوا حديثي على الكتاب فما وافقه فهو مني وأنا قلته) (المعجم الكبير 97/2).
هذه جملة من الروايات التي نفت رؤية المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في المعراج لربه بالعين المجردة كما سيأتي:
-1 أخرج مسلم في صحيحه، والترمذي في سننه، وأحمد في المسند، والبخاري في صحيحه: عن مسروق قال: كنت متكئا عند عائشة -رضي الله عنها- فقالت: «يا أبا عائشة: ثلاث من تكلم بواحدة منهن، فقد أعظم على الله الفرية، من زعم ان محمدا رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله، قال: وكنت متكئا فجلست فقلت: يا أم المؤمنين: أنظريني ولا تعجليني: ألم يقل الله عز وجل {ولقدْ رآه بالأفق الْمبين} {ولقدْ رآه نزْلة أخْرى} فقالت: أنا أول هذه الأمة، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انما هو جبريل، لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء الى الأرض.
فقالت: ألم تسمع ان الله يقول {لا تدْركه الْأبْصار وهو يدْرك الأبْصار} [الأنعام 103]. أو لم تسمع ان الله يقول {وما كان لبشر ان يكلّمه اللّه الاّ وحْيا أوْ منْ وراء حجاب أوْ يرْسل رسولا فيوحي باذْنه ما يشاء انّه علي حكيم} [الشورى 51]..»...(1).
-2 قول ابن مسعود رضي الله عنه عن زر بن عبدالله بن حبيش، عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - في قوله تعالى: {ولقدْ رآه نزْلة أخْرى} [النجم 13]، قال: «رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته، له ستمائة جناح»(2).
-3 عطاء عن أبي هريرة في قوله تعالى {ولقدْ رآه نزْلة أخْرى} قال: «رأى جبريل». أخرجه مسلم في صحيحه 7/3 كتاب الايمان باب معنى قول الله عز وجل {ولقدْ رآه نزْلة أخْرى} رقم 434.
-4 قول أبي ذر رضي الله عنه، عن عبدالله بن شقيق قال: قلت لأبي ذر: لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته، قال: عما كنت تسأله؟ قال: اذن لسألته هل رأى ربه؟ فقال: قد سألته أنا، قلت: فما قال؟ قال: «نور أنى أراه»، وفي رواية «رأيت نورا(3).
وقد أخرج الامام أحمد في المسند 147/5 من طريق عفان عن همام عن قتادة بلفظ «قد رأيته، نور أنى أراه» وأخرجه أيضا عبدالله بن أحمد في السنة 290-289/1 رقم 556 وأبو بكر النجاد في الرد على من يقول القرآن مخلوق ص 52 رقم 65 من طريق عفان عن يزيد بن ابراهيم عن قتادة بلفظ «قد رأيته» فقط. ونقل أبو عوانة 147-146/1 عقبه عن عثمان بن أبي شيبة أنه قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: «ما زلت منكرا لحديث يزيد بن ابراهيم حتى حدثنا عفان عن همام عن قتادة عن عبدالله بن شقيق قال قلت لأبي ذر»... الى آخر الحديث.ونقل هذا الكلام كذلك الحافظ ابن كثير في تفسيره 453/7 عن الخلال فقال: «وقد حكى الخلال في علله عن الامام أحمد قد سئل عن هذا الحديث فقال: ما زلت منكرا له، وما أدري ما وجهه».
وهذا رد بليغ على من ادعى ان بعض الصحابة قرأ (أني) بدل (أنى) في الحديث وهذا ابن القيم تلميذ بن تيمية يفند هذا الادعاء فيقول: «سمعت شيخ الاسلام أحمد بن تيمية يقول في قوله صلى الله عليه وسلم: «نور أنى أراه» معناه كان ثمّ نور، وحال دون رؤيته نور فأنى أراه؟ قال: ويدل عليه ان في بعض ألفاظ الصحيح «هل رأيت ربك؟ فقال: «رأيت نورا».وقد أعضل أمر هذا الحديث على كثير من الناس، حتى صحفه بعضهم فقال: «نوراني أراه» على أنها ياء النسب، والكلمة كلمة واحدة، وهذا خطأ لفظا ومعنى، وانما أوجب لهم هذا الاشكال والخطأ أنهم اعتقدوا ان الرسول رأى ربه، وكان قوله «أنى أراه» كالانكار للرؤية حاروا في الحديث ورده بعضهم باضطراب لفظه، وكل هذا عدول عن موجب الدليل» مجموع الفتاوى 507/6، اجتماع الجيوش الاسلامية ص 48-47.
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية (728هـ) قال في مجموع الفتاوى: «وأما الرؤية، فالذي ثبت في الصحيح عن ابن عباس أنه قال: «رأى محمد ربه بفؤاده مرتين» وعائشة أنكرت الرؤية. فمن الناس من جمع بينهما فقال: عائشة أنكرت رؤية العين وابن عباس أثبت رؤية الفؤاد.والألفاظ الثابثة عن ابن عباس هي مطلقة، أو مقيدة بالفؤاد، تارة يقول: «رأى محمد ربه»، وتارة يقول: «رآه محمد»، ولم يثبت عن ابن عباس لفظ صريح أنه رآه بعينه... وليس في الأدلة ما يقتضي أنه رآه بعينه، ولا ثبت ذلك عن أحد من الصحابة، ولا في الكتاب والسنة ما يدل على ذلك، بل النصوص الصحيحة على نفيه أدل، كما في صحيح مسلم عن أبي ذر قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك؟ فقال: «نور أنى أراه».
وقد قال تعالى {سبْحان الّذي أسْرى بعبْده ليْلا من الْمسْجد الْحرام الى الْمسْجد الأقْصى الّذي باركْنا حوْله لنريه منْ آياتنا} [الاسراء 1]، ولو كان قد أراه نفسه بعينه لكان ذكر ذلك أولى.
وكذلك قوله {أفتمارونه على ما يرى} [النجم 12]، {لقدْ رأى منْ آيات ربّه الْكبْرى} [النجم 18]، ولو كان رآه بعينه لكان ذكر ذلك أولى.
وفي الصحيحين عن ابن عباس: في قوله {وما جعلْنا الرّؤْيا الّتي أريْناك الّا فتْنة للنّاس والشّجرة الْملْعونة في الْقرْآن} [الاسراء 60]، قال: «هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به»، وهذه رؤيا الآيات لأنه أخبر الناس بما رآه بعينه ليلة المعراج، فكان ذلك فتنة لهم، حيث صدقه قوم وكذبه قوم، ولم يخبرهم أنه رأى ربه بعينه، وليس في شيء من أحاديث المعراج الثابتة ذكر ذلك، ولو كان قد وقع ذلك لذكره كما ذكر ما دونه».مجموع الفتاوى 510-509/6.
وللحديث بقية.

الهوامش:
(1) أخرجه مسلم في صحيحه 13-9/3 كتاب الايمان باب معنى قوله تعالى: {ولقدْ رآه نزْلة أخْرى} رقم 428 س، والترمذي في سننه 263-262/5 كتاب التفسير باب:(ومن سورة الأنعام) رقم 3068. وأحمد في المسند 50-49/6. وأخرجه البخاري في صحيحه 472/8 كتاب التفسير باب من سورة النجم رقم 4855.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه 360/6 كتاب بدء الخلق باب اذا قال أحدكم آمين...الخ رقم 3232، وفي 476/8 كتاب التفسير باب {فكان قاب قوْسيْن أوْ أدْنى} رقم 4856، 4857، ومسلم في صحيحه 6/3 كتاب الايمان باب في قوله تعالى {ولقدْ رآه نزْلة أخْرى} رقم 431.
(3) أخرجه مسلم في صحيحه 15/3 كتاب الايمان باب في قوله صلى الله عليه وسلم: «نور أنى أراه» وفي قوله: «رأيت نورا» والترمذي 396/5 كتاب التفسير باب ومن سورة النجم رقم 3282.

علي يوسف المتروك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يسعدني وضع بصمتك هنا